لماذا يبقى الذهب الملاذ الآمن رغم تقلبات الفيدرالي الأمريكي؟
![]() |
في ظل تحوّلات اقتصادية سريعة واضطرابات جيوسياسية متكررة، يبرز الذهب كأصل يحافظ على جاذبيته لدى المستثمرين وصناديق الاحتياط. ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يمتلك أدوات قوية، مثل التحكم بأسعار الفائدة، فإن تأثيره على الذهب يتداخل مع عوامل أعمق بكثير. في هذه التدوينة المفصّلة نسلط الضوء على الأسباب التاريخية والاقتصادية والنفسية التي تجعل الذهب يستمر كملاذ آمن حتى في مواجهة تقلبات الفيدرالي.
1. العلاقة التاريخية بين الذهب وأسعار الفائدة
يتحرك الذهب عادةً بعلاقة عكسية مع أسعار الفائدة والدولار: عندما يرفع الفيدرالي الفائدة، تزداد عوائد السندات ويقوى الدولار، ما قد يقلل من جاذبية الذهب على المدى القصير. لكن هذه القاعدة ليست ثابتة؛ ففي الأوقات التي تهتز فيها الثقة في النظام المالي، يرتفع الطلب على الذهب رغم السياسات التشديدية.
2. التضخم: المحرك الأقوى لقيمة الذهب
التضخم يجعل العملة الورقية تفقد جزءاً من قيمتها الشرائية. حتى مع رفع الفائدة، قد يبقى التضخم مرتفعًا بسبب عوامل خارج سيطرة الفيدرالي مثل ارتفاع أسعار الطاقة أو اضطراب سلاسل التوريد. في هذه الحالة يظل الذهب أداة فعالة للحفاظ على القوة الشرائية.
3. المخاطر الجيوسياسية
الأزمات الجيوسياسية من الحروب إلى النزاعات التجارية تؤثر على الاقتصاد العالمي بطرق لا تستطيع السياسة النقدية احتواءها. لذلك يتجه المستثمرون إلى الذهب كتحوّط فعّال عندما يتصاعد عدم اليقين الدولي.
4. مشتريات البنوك المركزية
تزيد البنوك المركزية في آسيا والشرق الأوسط من احتياطيات الذهب كجزء من استراتيجيات تنويع بعيدًا عن الدولار، وهو ما يعزز الطلب العالمي على المعدن الأصفر ويمنحه دعامة قوية بعيدة عن المضاربات قصيرة الأجل.
5. انخفاض الارتباط مع الأصول الأخرى
يتميّز الذهب بانخفاض ارتباطه مع الأسهم والسندات، ما يجعله أداة مهمة لتنويع المخاطر داخل المحافظ الاستثمارية.
عندما تتراجع الأسواق المالية بفعل رفع الفائدة أو الركود، يبقى الذهب صامدًا أو حتى صاعدًا.
6. العامل النفسي والثقافي
الذهب رمزٌ لتخزين القيمة منذ آلاف السنين، ما يمنحه جاذبية دائمة. في ثقافات عدة يُنظر إليه كملاذ ضد الانهيارات الاقتصادية، ما يعزز الطلب عليه في أوقات عدم الاستقرار.
7. أمثلة تاريخية
- أزمة 2008: ارتفع الذهب مع انهيار الأسواق رغم تغيّر السياسات النقدية.
- جائحة 2020: وصل الذهب إلى مستويات قياسية مع تزايد المخاوف الاقتصادية.
- توترات 2022–2023: صمد الذهب قرب أعلى مستوياته رغم تشديد السياسة النقدية الأمريكية.
8. أفق قصير وطويل الأجل
على المدى القصير يتأثر الذهب بتحركات الدولار وتوقعات الفيدرالي، لكن على المدى الطويل تبقى عوامل التضخم، الطلب الرسمي، والمخاطر الجيوسياسية هي المحرك الرئيسي للأسعار.
فترات الانخفاض الناتجة عن رفع الفائدة قد تمثل فرصًا للشراء للمستثمر طويل الأمد.
الخلاصة
رغم نفوذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وسياساته التي تحدث هزات في الأسواق، يظل الذهب ملاذًا آمنًا بفضل قدرته على حماية الثروات من التضخم والمخاطر الجيوسياسية، إضافةً إلى الطلب الرسمي من البنوك المركزية. إنه أصل استراتيجي لا غنى عنه لأي خطة مالية طويلة الأجل.
